سورة الزخرف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)}
قد جمعوا في كفرة ثلاث كفرات، وذلك أنهم نسبوا إلى الله الولد، ونسبوا إليه أحسّ النوعين؛ وجعلوه من الملائكة الذين هم أكرم عباد الله على الله، فاستخفوا بهم واحتقروهم. وقرئ {عباد الرحمن} وعبيد الرحمن، وعبد الرحمن، وهو مثل لزلفاهم واختصاصهم. وإناثاً، وأنثا: جمع الجمع. ومعنى جعلوا: سموا وقالوا إنهم إناث. وقرئ {أَأُشْهدوا} وأشهدوا، بهمزتين مفتوحة ومضمومة. وآأشهدوا بألف بينهما، وهذا تهكم بهم، بمعنى أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم، فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك، ولا تطرّقوا إليه باستدلال، ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم، فلم يبق إلا أن يشاهدوا خلقهم، فأخبروا عن هذه المشاهدة {سَتُكْتَبُ شهادتهم} التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم {وَيُسْئَلُونَ} وهذا وعيد. وقرئ {سيكتب} وسنكتب: بالياء والنون. وشهادتهم، وشهاداتهم. ويساءلون على ما يفاعلون.


{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)}
{وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عبدناهم} هما كفرتان أيضاً مضمومتان إلى الكفرات الثلاث، وهما: عبادتهم الملائكة من دون الله، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئة الله، كما يقول إخوانهم المجبرة، فإن قلت: ما أنكرت على من يقول: قالوا ذلك على وجه الاستهزاء، ولو قالوه جادين لكانوا مؤمنين؟ قلت: لا دليل على أنهم قالوه مستهزئين، وادعاء ما لا دليل عليه باطل، على أن الله تعالى قد حكى عنه ذلك على سبيل الذم والشهادة بالكفر: أنهم جعلوا له من عباده جزءاً، وأنه اتخذ بنات وأصفاهم بالبنين، وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين إناثاً. وأنهم عبدوهم وقالوا: لو شاء الرحمن ما عبدناهم، فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء: لكان النطق بالمحكيات- قبل هذا المحكى الذي هو إيمان عنده لو جدّوا في النطق به- مدحاً لهم، من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء؛ فبقي أن يكونوا جادين، وتشترك كلها في أنها كلمات كفر، فإن قالوا: نجعل هذا الأخير وحده مقولاً على وجه الهزء دون ما قبله، فما بهم إلا تعويج كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لتسوية مذهبهم الباطل. ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزءاً لم يكن لقوله تعالى: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الزخرف: 20] معنى، لأنّ من قال لا إله إلا الله على طريق الهزء: كان الواجب أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب، لأنه لا يجوز تكذيب الناطق بالحق جادّاً كان أو هازئاً.
فإن قلت: ما قولك فيمن يفسر ما لهم- بقولهم: إن الملائكة بنات الله- من علم إن هم إلا يخرصون في ذلك القول لا في تعليق عبادتهم بمشيئة الله؟ قلت: تمحل مبطل وتحريف مكابر. ونحوه قوله تعالى: {سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْء كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} [الأنعام: 148].


{أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}
الضمير في {مِن قَبْلِهِ} للقرآن أو الرسول. والمعنى: أنهم ألصقوا عبادة غير الله بمشيئة الله: قولاً قالوه غير مستند إلى علم، ثم قال: أم آتيناهم كتاباً قبل هذا الكتاب نسبنا فيه الكفر والقبائح إلينا، فحصل لهم علم بذلك من جهة الوحي، فاستمسكوا بذلك الكتاب واحتجوا به. بل لا حجة لهم يستمسكون بها إلا قولهم {إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَاعَلَى أُمَّةٍ} على دين. وقرئ {على إمة} بالكسر، وكلتاهما من الأمّ وهو القصد، فالأمة: الطريقة التي تؤم، أي: تقصد، كالرحلة للمرحولة إليه. والأمة: الحالة التي يكون عليها الآم وهو القاصد. وقيل: على نعمة وحالة حسنة {على ءاثا رِهِم مُّهْتَدوُنَ} خبر إن. أو الظرف صلة لمهتدون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8